تقديم
يعتبر شغل مناصب المسؤولية و الترشح للمصالح والأقسام بالإدارات العمومية من بين أهم الاعتبارات التي تهم الموظفين في مسارهم المهني وتعتبر في ترقيهم وترشحهم الى مناصب أعلى من المسؤولية. وقد كرس الدستور الجديد (2011) لمبادئ المسؤولية والمحاسبة والشفافية (الفصلين 145 و155) في تقلد مناصب المسؤولية الإدارية.
واستلهاما لروح الدستور الجديد، لجأ بعض من المسؤولين في تدبير ملفات الترشيحات والانتقاء والاختيار إلى اعتماد شبكات للتنقيط تبين الكفاءات المطلوبة والنقط المخصصة لكل كفاءة بحسب خصوصية المنصب المراد التباري عليه.فاعتماد شبكة أو سلم التنقيط من طرف اللجن يطرح صراعا بين تصورين للموضوع داخل الإدارة المغربية؛
تصور يمكن أن ننعته -تجاوزا لا حكم قيمة-ثابت (statique) بحيث لا يرى ضرورة في اعتماد شبكة لتنقيط وأن ذلك مخالف للمرسوم 2.11.681 الصادر في 25 نونبر 2011 ومخالف لمبدأ تكافؤ الفرص ويؤكد على كفاية الشروط المنصوص عليها ولا يقبل بزيادة أو انتفاء أي منها (I).
وتصور ثاني ننعته كذلك – تجاوزا لا حكم قيمة-بالدينامي (dynamique) أو العقلاني بحيث يدفع بعقلنة عمل اللجن ويفتح أبوابا جديدة لنص المرسوم مع إمكانها ويدافع عن اعتماد شبكة التنقيط كتقنية لم يمنعها المرسوم، تحدَ من السلطة التقديرية للجن وتعقلنها ويتحفظ-مع ذلك-على طريقة إعداد سلم التنقيط من طرف اللجنة ويرى إمكانية إضافة شروط إضافية لتدقيق في المهام والتخلي عن بعضها التي لا ضرورة لها(II).
مشروعية اعتماد شبكة التنقيط في الترشح للمصالح والأقسام بالإدارات العمومية
يطرح اعتماد شبكة التنقيط في ترتيب وانتقاء المترشحين إلى مناصب رؤساء المصالح والأقسام الإدارية تضاربا بين تصورين اثنين؛ الأول تصور نصي لا يرى ضرورة في اعتماد شبكات التنقيط ويؤكد على السلطة التقديرية المطلقة للجن الانتقاء (1) وتصور ثاني يدفع في اتجاه أكثر عقلنة لمعايير الانتقاء باعتماد شبكات التنقيط وكل آلية مفيدة لتحقيق المساواة والاستحقاق (2).
شبكة التنقيط لم ترد في المرسوم
المرسوم 2.11.681 الصادر في 25 نونبر 2011 في شأن كيفيات تعيين رؤساء الأقسام والمصالح بالإدارات العمومية، المادة 4 منه، تنص على ما يلي:
‹‹ يمكن أن يترشح لتقلد مهام رئيس قسم:
(1) الموظفون المرسمون والأعوان المتعاقدون الذين تتوفر فيهم الشروط التالية:
- أن يكونوا مرتبين، على الأقل، في درجة متصرف من الدرجة الثانية أو في إطار مهندس دولة، أو في إحدى الدرجات ذات ترتيب استدلالي مماثل،
- أن يكونوا حاصلين، على الأقل، على شهادة أو دبلوم يسمح بولوج درجة متصرف من الدرجة الثالثة أو درجة مماثلة،
- أن يتوفروا، على الأقل، على أربع (4) سنوات من الخدمة بصفة مرسم أو خمس (5) سنوات بالنسبة للأعوان المتعاقدين، بإدارات الدولة والجماعات الترابية،
- أن يكونوا مارسوا مهام رئيس مصلحة، غير أنه يمكن، إذا استدعت ضرورة المصلحة ذلك، الإعفاء من هذا الشرط.
(2) الموظفون المرسمون والأعوان المتعاقدون المزاولون، في تاريخ الإعلان عن شغور منصب رئيس قسم، لمهام رئيس قسم. ‹‹
بناءا على المادة السابقة يستنتج البعض أن المرسوم جاء عاما في تحديد شروط الترشح للمنصب، لم يرتبها حسب الأهمية ولا حسب أي معيار وأن كل مترشح ينبغي أن تتوفر فيه جميع الشروط لزوما (شرط السلم، شرط الشهادة، شرط الأقدمية، شرط المهمة) ويقصى آليا كل مترشح ينعدم فيه أحد الشروط الوارد ذكرها في المرسوم أعلاه.
وأن عمل الانتقاء –فيما بعد – يعود للجنة المشرفة على المباراة (المادة 9) – بحسب السلطة التقديرية التي منحت لها -في اختيار المترشح حسب الشرط الذي يبدوا لها مناسبا (الأقدمية أو الشهادة أو المهمة أو المشروع الذي يقدمه المترشح).
كما أن عمل اللجنة –بحسب نفس التوجه – يجب أن يتقيد بعناصر ملف الترشيح التي جاءت في المادة (7) من نفس المرسوم كالآتي:
›› تقدم ملفات الترشيح إلى الإدارة المعنية، و تتضمن ما يلي :
- طلب الترشيح؛
- سيرة ذاتية تتضمن مؤهلات المترشح ونبذة عن مساره المهني، وكذا المهام والوظائف التي زاولها؛
- برنامج العمل والمنهجية التي يقترحها المترشح في شأن تدبير الوحدة الإدارية المعنية وتطويرها والرفع من أدائها.
- موافقة الإدارة التي ينتمي إليها المترشح، مع إبداء رأي رئيسه المباشر في كفاءته. ‹‹
بحسب هذا التوجه يعتبر اعتماد سلم أو شبكة التنقيط في الانتقاء أو ترتيب شروط الترشيح لا قانوني ولم يرد في نص المرسوم.
في المقابل يعطي للجنة التي تتولى إجراء المقابلة سلطة تقديرية مطلقة في اختيار من يبدوا لها كفؤا سواء حسب خدماته الطويلة أو حسب برنامجه أو شواهده ولها الفصل والحسم بخصوص كفاءة المترشح في المقابلة التي تجريها معه.
شبكة التنقيط غير ممنوعة بنص المرسوم
القراءة الثانية لنص المرسوم وبالخصوص المواد (4 و6 و7 و9و 10) يبين أن المرسوم لم يتضمن عبارات الحصر في التعبير لا عن شروط الترشح ولا ملف الترشيح.
المادة 4 تنص ‹‹ …. الذين تتوفر فيهم الشروط التالية…›› والمادة 7 ‹‹…تقدم ملفات الترشيح إلى الإدارة المعنية وتتضمن ما يلي ››. ففرق كبير بين تلك العبارات والعبارات الآتية ‹‹ لا يترشح إلا من …›› و ‹‹ لا يقبل في ملف الترشيح إلا …››. ومنه فعبارة نص المرسوم ليست حصرية وبدليل أنه بإمكان الإدارة التنازل عند الضرورة عن شرط ممارسة مهمة رئيس مصلحة (المادة 4) والتقليل من شرط الأقدمية (المادة 8) في حالة الاستثناء عند عدم ترشح أي مترشح خلال الإعلان الأول.
كما أن النص يعتمد معيار أدنى في تحديد الشروط وعناصر الملف بالتنصيص على عبارة ‹‹على الأقل ›› في الشروط الثلاثة الأولى: 1 أن يكونوا مرتبين، على الأقل ….2. أن يكونوا حاصلين، على الأقل….3. أن يتوفروا، على الأقل، … وبذلك يكون المرسوم حدد الشروط الدنيا ولم يحدد القصوى وترك للإدارة إضافة ما تشاء من شروط كالرتبة في الدرجة أو تخصص الشهادة …إلخ.
بخصوص عمل اللجنة فلم يفصل النص في طريقة عملها والتقنيات التي ستعتمدها وإنما ترك لها حرية التقدير وسمح لها – عند الاقتضاء – الاستعانة بخبراء متخصصين (المادة 9) وألزمها في المقابل بتدبيج تقرير نهائي حول نتائج المقابلة الانتقائية مرتبة حسب الاستحقاق.
ومنه، فلا ضير من اعتماد أي تقنية تساعد اللجنة في عملية الفرز، سواء كانت شبكة التنقيط أو سلم الانتقاء مادام لم ينص المرسوم صراحة على منعها ولم يخصص أي تقنية أو طريقة ولم يحدد كيفية عمل اللجنة. والهدف هو الاستحقاق.
المراجع
- الدستور المغربي لسنة 2011.
- انظر النموذج (1) المرفق بالبحث في ملحق اخر الورقة.
- مرسوم رقم 2.11.681 الصادر في 25 نونبر 2011 في شأن كيفيات تعيين رؤساء الأقسام والمصالح بالإدارات العمومية.
- نفس المرسوم.
- نفس المرسوم.