عرف مفهوم المجتمع المدني طفرة قوية في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد ظهور عجز الدولة في تحقيق كل رغبات مواطنيها، فكان لابد من الاعتراف بالدور المحوري لكذا مجتمع في التنمية ولسد الفراغ الذي تتركه خلفها.
وقد كان دوره في بدء الأمر محصورا في الأعمال الخيرية للفقراء والمحتاجين وهو ما صنفه بعض الكتاب بالمجتمع الأهلي (1) تميزا له عن المجتمع المدني الذي من خاصته التأثير السياسي في القرار السياسي للدولة.
ظهر لدى غرامشي (GRAMCHY) كمقابل للدولة و للمجتمع السياسي أو هو بعبارة أدق مجموعة من البنى الفوقية مثل النقابات و الأحزاب و الصحافة و المدارس (2) أما هيغل(HEGEL) فقد ميز بين ثلاث مؤسسات و هي الأسرة و المجتمع المدني و الدولة و يعتبر المجتمع المدني في تصوره نقيض الأسرة و كمرحلة تطورية منها الى الدولة (3) .
يلخص عابد الجابري المجتمع المدني في ثلاث دلالات باعتبارات ثلاث؛ باعتباره بديل لسلطة الكنيسة، بديل لسلطة الدولة الإمبراطورية والبديل لهيمنة الدولة (4). إلى اليوم عند البحث في عناوين الكتب تجد أن أغلبها تربط المجتمع المدني بالتحول الديمقراطي والتنمية وببعض قضايا المجتمع الإنسانية.المجتمع المدني عموما يُعتبر هو الفاعل الأساسي الثالث (5) بعد الحكومة والفاعل الاقتصادي وقد فطنت منظمة الأمم المتحدة لذلك مند مدة و توجهت لانتهاج مقاربات تشاركية يدخل فيها المجتمع المدني. وقد كانت القناعة كبيرة أن لا تنمية حقيقية دون
مجتمع مدني لأنه يمثل روح المجتمع ويحمل قيمه ويعتبر أقرب له والأقدر على تشخيص احتياجاته.
في نهاية القرن 20 وبداية القرن 21 أصبح للمجتمع المدني، الدولي والوطني، دور لا ينكر وثم الاستماع له في كثير من المنتديات الدولية والاعتراف بتمثيليته في كثير منها وبالخصوص المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (6).
في المغرب عرف تطورا ملحوظا فيما بين ظهير 1958 المنظم للعمل الجمعوي إلى اليوم وتعددت تدخلاته وشراكاته. والجديد هو تكريس المجتمع المدني دستوريا من خلال التنصيص عليه في دستور 2011 وتمييز دوره عن باقي البنيات التي قد تحسب على المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات.
فالأحزاب تم تحديد مجال نشاطها في المجال السياسي بحيث نص الدستور في الفصل السابع على أن الأحزاب السياسية ” تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، …”،
وعلى نفس التوجه حدد الدستور (الفصل 8 منه) دور المنظمات النقابية والغرف المهنية والمنظمات المهنية للمشغلين في المجال الاجتماعي والاقتصادي بأنها ” تساهم …في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها …”.
أما جمعيات المجتمع المدني فمجالها عام ويتعلق بالمساهمة في إعداد وتفعيل وتقييم القرارات والمشاريع في مقاربة تشاركية مع مؤسسات الدولة (7).
ولن نخوض طويلا في المفهوم فقد أصبح بدوره يعرف بالبداهة ولا يحتاج لتعريف ونوجز لنعرج على المجتمع المدني التربوي الذي يجعل من أهدافه ومجال عمله التربية والتعليم والذي يتشارك ووزارات التربية و التعليم في تحقيق بعض الحاجات التربوية للمواطنين.
الإشكالية
فما هو هذا المجتمع المدني التربوي الذي نقصده من خلال هذه الورقة، أدوراه العامة والخاصة التي قد يمارسها في مجال التعليم والتدريس والشروط الضرورية لتنشئته.
أيّ دور أُعطي له في بلورة السياسات التربوية وأي مساهمة قد يقوم بها في السياق العام الذي يعمل فيه، وكيف تنظر إليه الوزارة المعنية بالتربية و التعليم من خلال النصوص التنظيمية التي تصدرها وكيف تشركه في إنجاح اصلاح التربية والتعليم.
أخير ماهي الإمكانات المتوفرة له لنهوض بدوره والمساهمة في إعداد السياسات العمومية التربوية بعبارة أخرى كيف يمكن أن يكون مجتمعا مدنيا تربويا فاعلا ومبادرا.
لتدارس إشكالية المجتمع المدني التربوي كمفهوم حادث عن قطاع التربية و التعليم، نرتئي معالجة الإشكالية في ثلاث محاور أساسية؛ أولا تقديم لمفهوم المجتمع المدني التربوي وأدواره التي قد يضطلع بها، ثانيا نبحث في وجود ذلك المجتمع في البيئة المغربية عموما وفي خطط وبرامج إصلاح التعليم بالمغرب وفي محورأخير المساهمات التي يمكن أن يضطلع بها في إصلاح التربية والتعليم.
المجتمع المدني التربوي في مجال التربية والتعليم.
ظهر مفهوم المجتمع المدني مبكرا إلا أن التخصص في المجتمع المدني بدأ يفرض نفسه في القرن العشرين بسبب تعقد مشاكل وأنماط عيش الإنسانية الحديثة. فكان لزاما التخصص في بعض المجالات كالمجتمع المدني للبيئة (الخضر…) والمجتمع المدني الإنساني (أطباء بلا حدود…) ومن بين التخصصات التي قد نقول إنها تفرض نفسها نجد المجتمع المدني التربوي الذي يتمايز بخصوصياته وبأدواره عما سواه.
المراجع
- المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، الحبيب الجنحاني ص 24
- نفس المرجع.
- نفس المرجع.
- نفس المرجع «المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي» ص 22.
- La société civile est le “troisième secteur” de la société, aux côtés du gouvernement et du monde des affaires. Elle comprend des organisations de la société civile et les organisations non-gouvernementales. L’ONU reconnaît l’importance du partenariat avec la société civile, parce qu’elle fait progresser les idéaux de l’Organisation et qu’elle appuie ses efforts. On trouvera ici quelques sites utiles aux membres de la société civile ainsi qu’à ceux qui s’intéressent au travail de l’ONU.
- موقع المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة.
- الدستور امغربي (2011)، الفصل 12.